على مدار التاريخ القديم لم تشهد البشريّة طاغية متجبّرًا، ولا باغيًا متسلّطًا مثل فرعون حاكم مصر، فسيرته قد سُطّرت بدماء الآلاف من الأبرياء الذين وقعوا تحت سطوته، ذلك الفرعون الذي نُزعت الرحمة من قلبه، فلم يعد لها مكانٌ للضعفاء، ولا المساكين، ولا الأبرياء والمضطهدين، لم يرحم أمًّا، ولا طفلًا، بل أصدر أوامره بقتل الأولاد، واسترقاق النساء، فكان حقيقًا بقول الله: {إنه كان عاليًا من المسرفين} (الدخان: 31)، ومن إسرافه على نفسه، وظلمه لها ادّعاؤه بكل عنتٍ، واستخفاف الألوهيّة من دون الله، ثم هو يسوق الدلائل الساذجة التي لا تُقنع غِرًّا ساذجًا، كما جاء في قوله تعالى: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون} (الزخرف: 51)، وقوله تعالى: {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين} (القصص: 38)، وتمرّ الأيام حتى تأتي نهاية هذا الظالم، في مشهدٍ ذكر القرآن لنا طرفًا منه، وجاءت القصّة النبويّة التي بين أيدينا لتضيف تفاصيل أخرى لتلك اللحظات، فبعد أن ضرب موسى -عليه السلام- بعصاه البحر فانفلق، فكان كل فرقٍ كالطود العظيم، سار بقومه وجاوز بهم البحر، فأتبعه فرعون بجنوده، حتى إذا تعمّقوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم؛ ليغرق فرعون ومن معه، قال الله تعالى: {فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم} (طه: 78)، وفي هذه اللحظات الحاسمة التي أوشكت فيها الروح على الخروج، اعترف فرعون بالألوهيّة علّه ينجو من الموت، قال الله تعالى: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} (يونس: 90)، ويراقب جبريل -عليه السلام- المشهد، ويخشى أن تدركه رحمة الله الواسعة فتُقبل منه أوبته، فيدفعه غيظه وحنقه أن يأخذ من طينة البحر ويدسّها في فمه؛ حتى يمنعه من نطق الشهادة الصحيحة في الوقت المناسب، ولكن هيهات أن تُقبل منه هذه التوبة، وقد جاءت متأخّرةً للغاية، قال الله تعالى: {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} (يونس: 91 – 92)، وهكذا منّ الله على أمّة بني إسرائيل، فبموت فرعون انتهت فصول معاناتهم، وتنسّموا هواء الحرّية، والأمن، والاستقرار بعيدًا عن حياة الخوف، والاستضعاف، والإذلال، فما صحة قصة دس التراب في فم فرعون حتى لا يستغفر؟
Thanks for sharing... Love it.
Congratulations @ahmedzakzouk! You have completed some achievement on Steemit and have been rewarded with new badge(s) :
Award for the number of upvotes
Award for the number of upvotes received
Click on any badge to view your own Board of Honor on SteemitBoard.
For more information about SteemitBoard, click here
If you no longer want to receive notifications, reply to this comment with the word
STOP
ok