إن التطور الحاصل في العالم على المستوى التكنولوجي أفرز ثورة معلوماتیة
شملت العدید من مجالات الحیاة منھا الصناعة المعجمیة التي أخذت حقھا من ھذه
التطورات والتحولات. وبذلك لم تعد الصناعة المعجمیة على ما كانت علیھ في السابق،
بل تكیفت مع العالم الجدید وإن بأشكال متفاوتة حسب اللغة ومدى شمولیتھا وحدود
استعمالھا وكذا قدرتھا على تأقلم مع البرامج المعلوماتیة. ویلي ھذه مجموعة التغیرات
التي حدثت للغة نفسھا ومواجھتھا تحدیات الألفیة القائمة.
من ھنا جاءت فكرة دراسة مكونات الصناعة المعجمیة،وذلك لما تحملھ من
مسؤولیة من صنع مجد اللغة القومیة العربیة بحیث كانت ھي الأسبق في نھوض
بالصناعة المعجمیة على غیرھا من الأمم السابقة، ولو أن المعاجم التي كانت موجودة
قبل العرب تھتم بحقول محدودة ولا تدعوا إلى جمع شتات اللغة. لكن كانت مبادرة
الخلیل بن أحمد الفراھیدي بمثابة قفزة عالیة في الصناعة العربیة المعجمیة التي خلدت
نفسھا إلى الآن على عدة مستویات،لزلنا نعتمد علیھا في صناعتھا لمعاجمنا الحدیثة.
وھذا بذات ما جعل العدید من الباحثین والدارسین یعودن إلى ثورة التي تركھا أجدادنا
من المعاجم ومحاولة مسألتھا واستنطاقھا عن سر صناعتھا.
لذلك نجد أن معظم أبحاث الصناعة العجمیة وكذا المعجمیة بصفة عامة تروم نحو
دراسة المعاجم وقلما ما نجد أبحاث تنظیریة في ھذا المستوى، ویرجع ذلك لصعوبة
كشف الحجاب عن ما ستؤول إلیھ اللغة،ھذه اللأخیرة تتطور وعلى صناع المعاجم
مواكبتھا لكن بشرط الحفاظ على مبادئ الأساسیة للمعجم العربي.
وبشكل عام فقد أفردنا لبحثنا مقدمة تطرقنا فیھا إلى المسألة المعجمیة وما عرفتھ
من تطور، وأبرزنا دوافع التي أخرجت ھذا البحث إلى الوجود والتي منھا طبیعة
التخصص،حب اللغة. وكذا افتتان الأستاذ المشرف بھذا الموضوع.
كما بینت سبل العلمیة التي استعملتھا في ھذا البحث من مناھج وطرائق من مثل
الوصف والتحلیل والتفسیر وغیرھا وبعدھا أوضحت التقسیم الذي شیدت علیھ البحث.
فقد جعلت بحثي على فصلین "دون أن ننسى المقدمة والخاتمة" الفصل الأول
عنونتھ بمدخل عام لصناعة المعجمیة تضمن ثلاثة محاور.
المحور الأول: كان بمثابة إطلالة عامة على میدان الصناعة المعجمیة حیث
عرفت من خلالھ المعجم " لغة واصطلاحا" وعلاقة بین التعریف اللغوي والاصطلاحي،
وسقت بعده إلى تعریف القاموس وأوضحت اختلافات العلماء المعاجم حول ھذه التسمیة،
وأنھیت ھذا المحور بتعریف الصناعة المعجمیة وعلم المعجم والفروقات التي بینھما
وأستندنا في ذلك بالكثیر من الحجج للعلماء والمھتمین بمیدان منھم عبد الغني أبو العزم
رشاد الحمزاوي وعلي القاسمي، أحمد مختار عمر، عدنان الخطیب وغیرھم، وقد جاء
ذلك متفرقا في العدید من مؤلفاتھم في الموضوع ولم نأخذ عنھم فقط في ھذا المحور بل
على طول البحث.
المحور الثاني: تكلف بإیضاح وظائف وأھداف المعجم المتعددة والمتنوعة والتي
منھا حفاظ على الثروة اللغویة من الضیاع أو اللحن، وھذا فیھ نظر لأن اللغة لابد لھا أن
تتطور وبذلك حذف منھا كلمات وتضاف إلیھا أخرى جدیدة إما عن طریق الدخیل أو
المولد. وھدف ثان ھو مساھمة المعجم في نشر اللغة واستعمالھا على نطاقات واسعة، أما
الوظائف فھي شرح وإیضاح معاني الكلمات وإبراز تركیباتھا ومستعملاتھا وغیرھا من
المعلومات التي یتیحھا المعجم على حد اختلافھ، فھناك المعاجم ثنائیة اللغة أو ثلاثیة
اللغة التي یكون فیھا المدخل بلغة وتعریفھ بمفرد لغة أخرى مختلفة، وعلى أي فأدوار
المعاجم وأھدافھا مھما اختلفت فإنھا تساھم في تطور العلمي والتقني وغیرھما من
المجالات.
المحور الثالث: وھو المحور الأكثر عمق من المحورین السابقین حیث تناولنا فیھ
مكونات الصناعة المعجمیة ولكثرتھم ومحاولة التدقیق الكلام فیھم اقتصرنا على اثنین
من مكونات الصناعة المعجمیة وھما الأكثر عمدة في الصناعة ولا یمكن الاستغناء
عنھما بأي حال من الأحوال وھما: الترتیب المعجمي وأنواعھ والتعریف المعجمي
وأنواعھ، فالترتیب مكون أساسي في تنظیم المادة اللغویة المدونة في ما بین دفتي
المعجم. لیسھل البحث عن معنى المفردة التي یراد معرفتھا وأنواعھ متعددة نذكر منھا
ھنا الترتیب الصوتي الذي لا یخفى على أحد من مھتمین بھذا المجال وغیرھم بأنھ
الترتیب الذي اعتمد علیھ الخلیل بن أحمد الفراھیدي في صنع معجمھ "العین" مع إضافتھ
إلیھ نظام التقالیب ونظام الأبنیة. )نظام الأبنیة یھتم ببنیة الكلمة فیما نظام التقالیب یھتم
بمقلوبات الكلمة(. ونوع المألوف حالیا لدینا من أنواع الترتیب ھو الألفبائي وھناك
ترتیب حسب القوافي، وقد أفصلنا القول في كل ھذه الأنواع وغیرھا في بحثنا.
أما التعریف المعجمي فھو مقصد الأول من المعجم لأنھ لا نفع في مفردة في
المعجم إن لم تعرف. والتعریف یحمل المعنى الكلمة ومعلومات أخرى حولھا من مثل
اشتقاقھا، واستعمالاتھا نحوھا وبنیاتھا الصرفیة وتعریف ثنائي اللغة. وحسب الدكتور
محمد رشاد الحمزاوي فأنواع التعریف ھي أولا : الاسمي ویشمل التعریف بالترادف
والمخالفة و التحدید الصعب والإحالة. ثانیا : التعریف المنطقي. ثالثا : التعریف بالشواھد
رابعا:التعریف البنیوي. وبینا تقارب الحاصل بین تصنیف عمر المھدیوي لأنواع
التعریف وتصنیف محمد رشاد الحمزاوي.
أما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان "المعجم الواقع والأفاق" وقسمناه إلى ثلاثة
محاور.
المحور الأول: تناولنا فیھ واقع المعجم من خلال دراسة وصفیة تحلیلیة لأحد
المعاجم الموجودة في السوق الاستھلاكیة وھو معجم مدرسي المسمى "القاموس
المدرسي للطلاب" درسناه في الأول من حیث الشكل. أبرزنا طبیعة الغلاف وتعدد ألوانھ
ومدى مساھمة ذلك في تسویقھ. وفتشنى في صفحاتھ الأولى )من (10-1حول
المعلومات المقدمة عن المعجم والتي احتوت كلمة الناشر واسم المعجم والطبعة 2011
وتلت ذلك تعریف بالمعجم وبخصائصھ والإشارات والرموز المستعملة في التعریف
المعجمي. وقد تطرقنا بشكل مقتضب لكل من كلمة الناشر وفصلنا القول في تعریف
بالمعجم وبخصائصھ، وكذا ما جد في ھذا القاموس من الخصائص الحدیثة. وقد تبین أنھ
معجم ألفبائي في الترتیب ویعتمد على الترتیب الأصغر الأكبر واستعمل مجموعة من
أصناف تعاریف منھا المثال الذي ركز علیھ بشكل ملفت للنظر.
وأبدینا ملاحظات حول شكلھ الداخلي من الألوان والصور وطریقة وضع
الحروف المرتبة حسب ترتیب الألوان في ھامش الصفحة وھذه الطریقة قلیلة جدا في
المعاجم العربیة وتوجد عند الغربیین بكثرة. وحتى ھم تطرقنا إلى بعضھم في محاور
بحثنا من مثل جاكلین بیكوش. آلان ري. فلیب كوف. مارتور جورج وغیرھم.
أما فیما یخص المحتوى فقد قمنا بإحصاء كلمات النباتات والأشجار والخضر
والفواكھ والحیوانات والطیور وأعضاء الجسم والشھور وقممنا كذلك بجردھا لیتضح بأن
أعددھا تتفاوت وعلى العموم فقد كانت ھاتھ الأسماء قلیلة فواضع ھذا القاموس اعتمد
على الافعال أكثر من الأسماء، وطرحنا عدة أسئلة في ھذا الأمر لما جعل الأفعال أكثر
من الأسماء ولما لم یتم ذكر الشھور كاملة. وذلك من أجل وضع فرضیات لقراءة ھذا
المعجم وتبیان مدى استجابتھ للخصائص المطلوبة. وللإشارة فإن ھذا القاموس ھو
قاموس مدرسي ولا یھمھ جمع شتات اللغة بل تقریب اللغة من المتعلمین وحرصھ على
فئة الصغار لیسھل علیھم عناء البحث في المعاجم الكبار وما قد یصعب علیھم خلال
بحثھم، وحجم المعجم ھو حجم صغیر وھذا ھو ما أظنھ السبب وراء اعتماد الأفعال أكثر
من الأسماء، لأن مسمیات الأشیاء تكون سھلة من معرفة الأفعال أحیانا وأقمنا جردا
للكلمات الدخیلة والمولدة والمعربة في ھذا القاموس، وتبین أن بعضھا أعطیت لھ صبغة
العربیة فقد تسأل بعضھم عن كلمة معربة فیقول أن أصلھا عربي وھي كلمة فارسیة
الأصل، وذلك راجع لكثرة تداولھا واستعمالھا، وقد تحسسنا من خلال ھذا النموذج مدى
مسؤولیة صناع المعاجم وكذا مدى استجابة معاجمنا العربیة لحاجة المتعلم والمثقف
وإضافة إلى مدى خطورة استغلال كلمات المعجم في معرفة أسرار الأمة وقدرتھا على
الصمود لأنھ قد یستعمل في غیر صالح الأمة ودون وعي.
والصناعة المعجمیة لیست بأمر الھین فھي تحتاج إلى كثیر من القوى لمواجھة
عدید من التحدیات. ھذه الأخیرة التي سنفرد لھا محورا خاصا بھا، فحاولنا التمییز بین
التحدیات الذاتیة و التحدیات الموضوعیة أي التحدیات التي تعترض الصانع والتحدیات
التي تعترض القاموس نفسھ، ومن بین ھذه التحدیات المشكل المادي في تمویل مشروع
المعجم وفي من سیتبناه من دور النشر لأنھ یكلف كثیرا في مرحلتي الجمع والوضع،
وصعوبة تسویقھ في ظل صراع العولمة التي تبحث عن نشر لغاتھا الاجنبیة على حساب
لغتنا العربیة، ولا یمكننا أن ننجب معجما یلائم متطلبات الواقع دون دراسة میدانیة
وعلمیة َ للغة المراد م َ عج َ متھا في المكان المقصود. وتبقى ھذه المشاكل متفاوتة الخطورة
والحضور. لكن ما استنتجناه ھو إن لم تتدخل في صنع المعجم ھیئات وكفاءات علمیة
مسؤولة ومختصة وبدعم من الدولة فإن المعجم یكون محكوم علیھ بالنقصان ولما لا
الموت الخفي، فإذا ما أخذنا النموذج المصري للمعجم الكبیر والوسیط والموجز. نجد أنھ
ناجح إلى حد ما رغم كل الانتقادات، لأن جھة وصیة مسؤولة كالمجمع العربي
استطاعت أن تبنى ھذه الفكرة وتدافع عنھا وتصنعھا . لأنھا تؤمن بأن المعجم ضرورة لا
یمكن الاستغناء عنھا في التعلیم .ففي فرنسا صدر قرار بإلزام التلامیذ التوفر على معجم
اللغة الفرنسیة وكتاب نحو اللغة الفرنسیة، وذلك لأنھم وعوا بأھمیة المعجم في تكوین
وتعلیم أبناءھم، وبناء أجیال مثقفة وعلمیة.
وآخر محور ھو محور الثالث من فصل الثاني ناقشنا من خلالھ مستقبل المعجم
وركزنا فیھ الحدیث عن المعاجم الإلكترونیة والرقمیة، ومدى استجابة اللغات لھذه
البرامج الجدیدة حیث ألفینا أن اللغة العربیة تجد صعوبة في برمجتھا في الحاسوب،
وأوضحنا أن المعجم ومستقبلھ رھین بالواقع الحالي، لأنھ إن لم تبذل الجھود الآن وبشكل
متسارع فإن الوقت یمر وقطار سریع، ونحن لا ننفي تلك المحاولات الجمیلة التي تقوم
بھا شركة صخر في صنع المعاجم العربیة الالكترونیة "معجم الغني الزاھر نموذجا"
وعرفنا بالمعجم الالكتروني وكیفیة اشتغالھ ومدى مواكبتھ للعصر وأفقھ المنشودة. وما
یفتحھ من تقنیات جدیدة كالصوت والصورة المتحركة وغیرھا من الأمور التي زادت
المعجم الإلكتروني روعة ورونق. وقمنا بمقارنة بین المعجم الالكتروني والورقي،
ووجدنا بأنھ مھما تقدم وازدھر المعجم الالكتروني فلا یمكن أبدا الاستغناء عن المعجم
الورقي، وأوضحنا كذلك أن مشاكل التي تحدث للغة تؤثر على صناعة المعجمیة وعكس
صحیح كذلك، وبینا أن المعجم یضم كل مجالات الحیاة ویتدخل في صنعھ الكثیر من
أخصائیین في مجالات مختلفة، لذلك وجب العمل على المعجم في إطار مجموعات
وفرق مختصة.
كما استنبطنا بعض مزایا المعجم الآلي من خلال المقارنة والملاحظة المیدانیة،
حیث یسھل وجود معجم الآلي في الھواتف النقالة الذكیة وحملھ في أقراص مدمجة
وغیرھا من المزایا الرائعة. التي قمنا بسردھا في بحثنا وتطرقنا كذلك إلى معاجم الآلیة
حسب تصنیفھا فھناك الموجھة للإنسان وھناك الموجھة للآلة والتي تسمى بالمعاجم
المقیسة. فھناك المعاجم التي یعتمد علیھا من أجل الترجمة وھناك من یعتمد علیھا من
أجل اكتساب اللغة وغیرھا، وأعطینا لمحة عن المعجم الآلي في الغرب ومدى مساھمتھ
في دفع نحو تطور علمي مبھر، وما لاحظناه ویلاحظھ الكثیر ھو أنھ لا المعاجم الورقیة
ولا المعاجم الالكترونیة العربیة لازالت في نصف الطریق بمقاربة مع معاجم الغرب
رغم ما خلفھ لنا أجدادنا من إرث معجمي راق فإن عصر السرعة لا یرحم الآن.
كل ھذا وما قفزنا عنھ جمعناه في عصارة الخاتمة التي جمعت كل الاستنتاجات
والملاحظات العامة والخاصة وبعض الآراء الشخصیة في الموضوع ورغم ما استندنا
إلیھ من مراجع عربیة في الموضوع فقد اعتمدنا كذلك على مراجع أجنبیة أثرت البحث
من جھة أخرى.
المهدي الزمراني
Congratulations @el-mehdi! You have completed some achievement on Steemit and have been rewarded with new badge(s) :
Award for the number of upvotes
You published 4 posts in one day
Click on any badge to view your own Board of Honor on SteemitBoard.
For more information about SteemitBoard, click here
If you no longer want to receive notifications, reply to this comment with the word
STOP
فعلاً نحن بحاجة للاهتمام أكثر بصناعة المعاجم كما ذكرت وخاصة في ثورة المعلوماتية الحالية.
حيث أحياناً بل في أغلب الاحيان نحتاج لاستخدام بعض المصطلحات التي ليس لها أي مرادف في اللغة العربية، وينتهي بنا المطاف إلى استخدام الكلمة الانكليزية .
تدفعنا اللغة وكلماتها إلى صياغة أفكارنا ومشاركتها مع الآخرين وبالتالي تشكل وسط لنقل الأفكار من عقل إنسان لآخر.
فعندما تفتفر اللغة إلى بعض الكلمات التي يحتاج أن يقولها الإنسان، فسيتأخر الشعب المتكلم بتلك اللغة
اعذرني إذا اسأت فهم مقالتك، فلقد اعتبرت صناعة المعاجم أي ليس فقط بالصناعة الورقية أو المادية أو حتى التقنية بل كصناعة فكرية وإثراء مفردات اللغة