الطريق الى الله

in #live7 years ago

قد يسير المرء في الطريق إلى الله تبارك وتعالى لسنــوات، يطلب فيها العلم ويستمع للمواعظ .. ولكن عندما يبحث عن أثرٍ لهذا العلم لا يجده! .. وبعد أن كان نشيطًا ومتحمسًا في بداية الطريق، يشكو الآن من فتوره وضيــاع إيمانياته وسط بحر الدنيـــا والانشغالات ..

لذا يحتــاج الإنسان منَّا بين الحين والآخر أن يتوقف ويحـــاسب نفسه، ويسألها عن ثلاثة أشيــاء:

  1. ماذا عَرِفَ عن ربِّه؟ .. 2) ماذا عَرِفَ عن نفسه؟ .. 3) ماذا عَرِفَ عن الطريـــق؟

وما سوى ذلك فهو انشغال بمفضولات عن الفاضل،،

الطريقة المُثلى لتعلُّم العلم النــافع ..

أما العلم المنشود الذي يتحقق به الهدف، فقد فصَّله الإمام ابن القيم، فقال:

"للإنسان قوتان: قوة علمية نظرية، وقوة عملية إرادية .. وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه: العلمية والإرادية، واستكمال القوة العلمية إنما يكون:

  1. بمعرفة فاطره، وبارئه .. ومعرفة أسمائه وصفاته ..

  2. ومعرفة الطريق الذي توصل إليه ..

  3. ومعرفة آفاتها ..

  4. ومعرفة نفسه ..

  5. ومعرفة عيوبها ..

فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية، وأعلمُ الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها" [الفوائد (1:19)]

فإذا لم تعرف طبيعة الطريق الموصلة إلى الله عزَّ وجلَّ والعوائق التي عليه، لن تستطيع أن تسير فيه وعند مواجهة أول ابتلاء لن تستطيع أن تَثْبُت .. فلابد أن تتعلَّم تلك الأمور الخمسة التي ذكرها الإمام ابن القيم .. وإن لم تتوصل بالعلم الذي تطلبه إلى معرفة ربَّك ونفسك وطبيعة الطريق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى، فليس هذا هو العلم المنشود.

ولا تنشأ القوة العملية للإنسان إلا عن المعرفة ..

يُكمِل ابن القيم قائلاً "واستكمال القوة العلمية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، والقيام بها إخلاصًا وصدقًا ونصحًا وإحسانًا ومتابعةً وشهودًا لمنته عليه، وتقصيره هو في أداء حقه، فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة؛ لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه ودون ذلك، وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته .. فهو يهديه الصراط إما المستقيم الذي هدي إليه أولياؤه وخاصته، وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال، وإما قوته العملية فيوجب له الغضب" [الفوائد (1:19)]

فإذا فسدت قوته العلمية .. وقع في الضلال ..

وإذا فسدت قوته العملية .. وقع عليه الغضب ..

ولا تتم سعادة الإنسان إلا باجتماع العلم والعمل،،

أصول معرفة الطريــق المستقيم من سورة الفاتحة ..

يقول ابن القيم "فكمال الإنسان وسعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، وقد تضمنتها سورة الفاتحة وانتظمتها أكمل انتظام فإن قوله:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ () الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ () مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2,4]

يتضمن الأصل الأول، وهو: معرفة الربُّ تعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله .. والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي: اسم الله والربُّ والرحمن .

فاسم الله متضمن لصفات الألوهية، واسم الربُّ متضمن لصفات الربوبية، واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والجود والبر .. ومعاني أسمائه تدور على هذا.

وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .. يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته.

وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] .. يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.

وقوله: {.. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .. يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل .

فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة" [الفوائد (1:19)]

طبيعة السبيـــل إلى الله عزَّ وجلَّ

لقد وردت الأصول لمعرفة الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ في سورتي المزمل والإنسان، التي وضحت لنا الأسس والدوافع لاتخاذ السبيـل إلى الله تبــارك وتعالى ..

أُسس السيــر إلى الله تعالى من سورة المزمل ..

الأساس الأول: المنهج الربَّاني لإدارة الحيــــاة ..

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ () قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا () نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا () أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا () إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا () إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا () إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (*) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 1,8]

فوضحت لنا السورة الكريمة الأربعة الأسس التي ينبغي أن يُقيم عليها العبد سيرهُ إلى الله تعالى، وبها يكون الثبــات والاستقامة .. وتلك الأسس هي:

  1. القيــــام .. ولن يكفيــك مجرد ركعتين قصيرتين قبل الفجر، وإنما أن تقوم الليـــل وتقضي لحظــات المنــاجــاة للتعرُّف على ربِّكَ عزَّ وجلَّ.

  2. تلاوة القرآن .. ولن تُجدي القراءة السريعة بهدف جمع الحسنـات، إنما أن تُرَتِل القرآن وتتذوق كلماته وتستشعر معانيه؛ فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبُّر والتفكُّر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له [تفسير السعدي] .. حتى يوفقك الله سبحانه وتعالى للسير في طريقه المستقيم.

  3. ذكر الله سبحانه وتعالى .. وقد بينت الآيات أن الإنسان سينشغل في أعماله اليومية وسيقع تحت سطوة الغفلة؛ لذا عليه أن يتحصَّن بذكر الله تعالى وبذلك يقي نفسه من شر فتن الدنيـــا .. فليكن شعارك دائمًا:

اعمل ولا تغْفَل،،

  1. التبتُل .. خُذ بحظك من العزلة وانقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه. [تفسير السعدي]

الأساس الثاني: التوكل على الله تعالى وعدم الركون على الأسبـــاب ..

قال تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9]

وفيها تذكرة للعُبَّاد أن كل ما سخره الله تعالى لنا ما بين المشرق والمغرب مربـوبٌ لله عزَّ وجلَّ، فتوكَّل على مُسبب الأسباب ولا تركن إلى السبب.

وفي الطريق سيحدث منك التفاتًا يمنة ويسرى، فيركن قلبك على الدنيا والمال وينشغل بالنعمة عن المُنْعِم .. والله سبحانه وتعالى هو ربُّ المشارق والمغارب، فاتخذه وكيلاً وفوِّض أمرك إليه ..

لا تركن بقلبك على السبب، وتذكَّر دائمًا أن الله تعالى هو الوكيــــل،،

الأساس الثالث: الصبـــر على الابتــلاء وهجر المخالفين ..

قال تعالى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]

تذكرة للعُبَّاد بأن الدنيا دار ابتلاء وفتن، وأنه لا سبيل للنصر إلا بالصبــــر .. وأنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .. ومما يُعين العبد على ذلك هجر المخالفين والابتعاد عن البيئات المفتنة والمثبطة.

ففي الطريق إلى الله تبارك وتعالى لابد أن تؤذى ويعاديك الأعداء وتلقى وساوس من الشياطين، وستجد من يتهمك بالفشل والضلال والكثيــر مما يصدك عن سبيـــل الله .. وقد تستمع لتثبيطهم أحيانًا وتُبتلى لتمحيص إيمانك وصدقك ..

فاصبر على إيذائهم وابتعد عنهم ولا تنصت لما يلوِّث قلبك ..

اهجر بيئة الدنيـــا المُفتنة،،

الأساس الرابع: الجحـــود أصل الكُفران ..

قال تعالى {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11]

فأصل الإنحراف والزيغ عن الطريق المستقيم، هو: جحـــود نعمة الله تعالى على العبد وعدم شكرها .. فهو ينسب النعمة لنفسه وينسى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أنعم بها عليه، فيكون جزاؤه العذاب الأليم؛ فإن الله تعالى يُمهِل ولا يُهمِل.

والشكــر ركن الإيمان الأعظم ..

وبدونه لن تؤسس إيمانك،،

وبعد أن ذكَّرت السورة الكريمة بيوم الميعاد وأهواله ..

قال الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: 19]

أما في سورة الإنسان، فكانت التذكرة بما يلي:

أولاً: الحكمة من الخلق هي اختبـــار الكفر والإيمان ..

فتبدأ السورة بتذكرة الإنسان بأصله وأنه لم يكن شيئًا يُذكَر، قال تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (*) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 1,2] .. فيذكره بأصله؛ حتى لا يغتر ويعصي ويخــالف ربَّه.

قال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] .. ثمَّ ذكر أن الله سبحانه وتعالى قد هدى الإنسان وبيَّن له الحلال والحرام وفرَّق له بين طريق الهدى وطريق الضلال؛ فمنهم مَن سيشكر ويؤمن، ومنهم مّنْ سيجحد مما يوقعه في الكُفر ..

فمن أصول الهدايـــة:: شُكــر النعمة ..

وأن أردت أن تُكمِل الطريق، عليك بالشكر ..

قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]

ثانيًا: صفــات المؤمنيــن الفائزين بجنــات النعيــم ..

بعد أن وصفت السورة بداية الطريق ومعالمه، ذكرت نهاية الطريق ومصير كلا الفريقين .. قال تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (*) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 4,5]

ثمَّ ذكرت صفات أهل الإيمان، التي بها سيُبلَغون نعيم الجنــان ..

  1. الوفــاء في مقابل الخيانة .. {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ..} [الإنسان: 7]

  2. الخــوف في مقابل الجرأة .. {.. وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]

  3. البـذل في مقابل شُح النفس .. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]

  4. الإخلاص في مقابل الريــــاء .. {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]

وكان الداعي الذي دعاهم للإيمان وفعل الصالحات، هو: الإيمان بالآخرة والخوف من أهوالها .. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10]

فنالوا الثمرة وبلغوا هدفهم الأسمى .. {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (*) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 11,12]

وبعد أن وصفت السورة الجنة ونعيمها وصفًا دقيقًا، أكدت على الأسس اللازمة لسير الإنسان في الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ .. وهي:

  1. القيــام .. 2) تلاوة القرآن .. 3) الذكر ليلاً ونهارًا .. 4) الصبر والانقطاع لله تبارك وتعالى.

فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا () فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا () وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (*) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 23,26]

ثمَّ قال تعالى مؤكدًا {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الإنسان: 29]

ووقود الطريـــق، هو: الرحمة ..

{يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31]

اللهمَّ اهدنـــا إلى ســواء السبيـــل،،

< السـابق :: طريق الحق واحد

فهم طبيعة النفس :: التـــالى >

مختارات

" القناعـة "

أنماط: (46) نمط المُقيَّدون بأغلال الحدث

أن تملأَ الأرضَ عِلماً !

" فضل كلمة التقوى "

بركان هائل في قاع المحيط

أنماط: (36) نمط المُصدِّق لكل شيء!

ام الكتاب

الصّلِةُ المتينة الدَّائمة بَيْن الدِّين وَ المدينَّة وَالمجتمع

" القلادة الثلاثون "

الأدب مع رسول الله

Sort:  

Hi! I am a robot. I just upvoted you! I found similar content that readers might be interested in:
https://vb.3dlat.net/showthread.php?t=348469

لا حول ولا قوة إلا بالله
يعني لا يمكن للانسان أن يتحول من حال إلى حال ولا يمكن أن يمتلك القوة اللازمة لذلك ولا لأي شيء بدون إرادة وأمر الله ... اللهم امنحنا الحول والقوة للسير على صراطك المستقيم كما تحب وترضى