الرواية السياسية.. في العالم العربي

in #politics7 years ago

Vietnam_War_Protester_Wearing_An_M9A1_Gas_Mask_Hurls_A_Tear_Gas_Canister_Back_At_Police.jpg

مَن مِنا لم يقرأ قصة الذئب والثيران الثلاثة.. أو حتى قُرأت له، القصة التي تنتهي بعبارة : (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض)، قصة الأطفال البسيطة التي تلخص بعضا من السياسية والتاريخ، فالذئب يعرض على الثور الأحمر إما أن يأكله هو، أو أن يتركه يأكل الثورين الأبيض والأسود.. حتى يكون هو في أمان، فيسمح له بأكل الثور الأبيض في أول يوم، واليوم الثاني يكرر له نفس العرض على الثور الأسود.. حتى لا يتعرض هو للأذى أيضا، أما في اليوم الثالث فلم يتبق سوى الثور الأحمر نفسه، فيقول له الذئب (اليوم سآكلك أنت.. حيث لم يتبق سواك)، فيرد الثور الأحمر بتلك العبارة الشهيرة.. بعد أن فطن لخدعة الذئب!، فالثور لم يفكر في أنه لو إجتمعت الثيران الثلاث لقتلت الذئب في سهولة، فهم بعد أن بقي وحيدا في النهاية.. أنه أكُل يوم ترك فيه الذئب يأكل الثور الأبيض، القصة هنا تلخص الإستعمار وأخطاء الدول المُستعمرَة التى لا تعي أن في إتحادها قوتها، أذا فالقصة السياسة هي النوع الوحيد من الأدب الذي سيبدو كقصة فكاهية أو ربما حتى للأطفال، ولكنك إن أعدت النظر فيها، ستتوارى بها خوفا من أن تكمل ما بقي من فصولها في (مكتبة المعتقل).. إن كان يوجد شيئا بهذا الاسم!.

الأمر الآخر الذي يميز الرواية السياسية عن باقي أنواع الأدب هو (الإسقاط)، ويعني إسقاط الرموز على شخصيات القصة، لتبدو بعيدة تماما عما قد يضر بالكاتب، أو أن يجعل من روايته شيئا محرما وتمنع من النشر، ولكن الكثير من كتابها لم يستخدموا الإسقاط فقط لهذا الغرض، بل إستخدموه أيضا لتقديم المغزى من القصة، في شكل يبدو كتجسيد لتاريخ أو لواقع يعيشه وطن، فمثلا الحاكم الظالم هو حاكم تلك المدينة القديمة (التي ليس لها وجود) والتي يجب أن يثور ضده شعبها، أو حتى مثل ملك الغابة مثل غالبية قصص (كليلة ودمنة).

ولكن ما الذي يجعل للرواية السياسية ذلك الخليط من البريق والشهرة ؟.. ربما لتفردها ولجرأتها في تقديم واقع محبط أو صرخة مكتومة (مشفرة)، أو بسبب أن غالبية كتابها طردوا من بلادهم أو أعتقلوا بسببها، والسبب الأهم هو منع تلك الرواية من التداول.. الأمر الذي يجعلها حلما لأي قارىء، بالإضافة لتميزها بإقتحامها لأحد أركان الثالوث المحرم (السياسة والدين والجنس)، مما جعل للرواية السياسية العربية طبيعة خاصة، بسبب ظروف الإحتلال الطويلة والمناخ السياسي العربي بشكل عام.

ولكن حقا هل تعد الرواية السياسية نوعا من النضال أو مقاومة المحتل أو الانظمة الفاسدة ؟، أم نوعا من الإنتقام والتشهير والمصالح الشخصية ؟

فهم يصرخون.. يهللون.. ويتباكون، هؤلأ هم كتاب الرواية السياسية، منهم من تشعر معه أنك تخوض معركة نضال الأمة، ومنهم يشعرك أنه قد صاغ التاريخ بقلمه الكاذب.. ليتركك حائرا بعدها، تاريخا مزيفا دس في قصة مثيرة محبكة، أم ذلك التاريخ الذي تعرفه عن ظهر قلبك ؟، لن أنس عندما قرأت رواية إسرائيلية مترجمة عن حرب أكتوبر، للحظات شعرت أننا نعيش خدعة الإنتصار العربي الزائف، فالرواية العبرية صاغت قصة حب عاصفة، لجندى إسرائيلي ترك حبيبته من أجل أن يحميها من العرب الهمجيين في صحراء سيناء!، لتبدأ الحرب وتعيش معها الملحمة البطولية للجندى، الذي يعود منتصرا إلى حبيبته بعدما لم يستطع العرب تحقيق نصراً يذكر!!، هل تأثرت للحظة ؟.. لا تتعجب فأنت تقرأ رواية سياسية.

ولكن إن أفترضنا أن تلك الرواية العبرية كانت تدافع عن الصهيونية بدافع وطني – من الناحية المجردة – ولكن ماذا عن الأقلام مدفوعة الاجر ؟.. قلماً يصوغ أحداثا لم تحدث في الواقع، أو يلوي عنق الحدث التاريخي ليتماشى مع الهدف!، هل تذكر الشعراء القدماء الذين كانوا يُستأجرون من أجل صياغة تاريخ مجيد بالشعر – الأكثر تاثيرا في تلك الفترة – عن بطولات وحروب لم تحدث أصلاً ؟، هكذا الحال أيضا مع كتاب الرواية السياسية، منهم مَن يُستاجر ومنهم من يكتب التاريخ الكاذب، من أجل منصب أو حتى للتقرب للسلطة.

ولعل أبسط مثال على تناقض الرواية السياسية، تلك الروايات الى صور بها أدباء ثورة الضباط الأحرار الواقع الذي تغير – بفضلها – من الإقطاع إلى المساواة، والتخلص من الطغاة، أم تصدق أدباء السبعينات والثمانينات، الذين صاغوا الثورة على أنها ذهبت بمصر الى أبعد مما كان يحلم أعدائها!، مثال آخر.. (محمد حسنين هيكل) الذي يتهم بأنه يكتب من أجل مهاجمة النظام الحالي، أم نصدق أن هيكل كان مناضلاً من أجل فكرة القومية العربية ؟، فهيكل كان بمكانة رفيعة في عهد ناصر، ومعتقلا في عهد السادات، ومهمشا في عصر مبارك، من نصدق ؟.. دائما ما يعود القرار لك.. إنه المزيج العجيب بين السياسة والرواية.

ولكن عندما تمنع رواية سياسية من النشر أو التداول.. هل تتجنبها.. أم تصر على قرأتها ؟.. ولكن لهذا مقال آخر.

أكرم إمام